إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
(محام بالإستئناف)
تبرّر العفو العام عادة ظروف اجتماعية أو سياسية تحتم إسدال الستار على بعض الجرائم، بغية حذفها من ذاكرة الناس واستئناف الحياة في مرحلة جديدة لا تعكرها ذكريات تلك الظروف، كإصدار عفو عام عقب اضرابات سياسية، عن أفعال جرمية ذات صلة بتلك الاضطرابات. وإلى العفو العام ثمة عفو خاص يمنحه رئيس الدولة في بعض الحالات. فما هي الأحكام القانونية في هذا المجال؟
العفو العام
هو العفو الذي تصدره السلطة التشريعية لإزالة الصفة الجرمية عن فعل هو في ذاته جريمة يعاقب عليها القانون (م 150 عقوبات)، فيصبح الفعل كأنه لم يُجرَّم أصلًا.
قد يشمل العفو العام بعض الجرائم كليًا ويخفض عقوبة البعض الآخر إلى النصف أو الربع مثلًا، فتبقى الجريمة قائمة وينفذ القسم الباقي من العقوبة. وقد يشمل العفو العام أشخاصًا محددين.
ولا يسري العفو العام إلا على الجرائم التي يعينها بالذات، والتي تكون قد وقعت قبل صدوره؛ فإذا كانت الجريمة المعينة من الجرائم المستمرة وبقيت حالة الاستمرار بعد صدور قانون العفو، فلا تستفيد منه.
يؤدي العفو العام إلى محو الصفة الجرمية عن الفعل، وإذا صدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل أي ملاحقة جزائية، فلا يجوز ملاحقة الفاعل. أمّا إذا صدر العفو العام في أثناء النظر بالدعوى، فإنّ الدعوى العامة تنقضي، بينما تبقى الدعوى الشخصية من صلاحية المحكمة الواضعة يدها عليها (م 10 أ.م.ج.). وفي حال صدر العفو العام بعد صدور الحكم، مبرمًا كان أم غير مبرم، فإنه يزيل الآثار الجزائية للحكم، فتسقط كل عقوبة أصلية أو فرعية أو إضافية، لكنه لا يشمل التدابير الاحترازية والتدابير الاصلاحية إلا إذا نص قانون العفو صراحة على ذلك، ولا ترد الغرامات المستوفاة والأشياء المصادرة (م 150 عقوبات). ولا يُعتد بالحكم في المستقبل، ويشطب من السجل العدلي من دون حاجة لإعادة الاعتبار.
والمرجع الصالح لتطبيق قانون العفو العام هو النيابة العامة، وكل خلاف معها حول صحة تطبيقه يدخل في صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم.
العفو الخاص
هو اجراء يتخذه رئيس الدولة بعد استطلاع رأي لجنة العفو، لمصلحة من حُكِمَ بصورة مبرمة، لإعفائه شخصيًا من العقوبة كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخرى أخف (م 152 عقوبات).
لا يستفيد من العفو الخاص إلا من صدر باسمه، ولا يؤثر هذا العفو على حكم الإدانة الذي يظل قائمًا باستثناء العقوبة. ولا يشمل العفو الخاص العقوبات الفرعية أو الإضافية والتدابير الاحترازية المقضي بها بالإضافة الى عقوبة أصلية، إلا بموجب نص صريح في المرسوم الذي يمنحه (م 153 عقوبات).
ولا ينال العفو الخاص مَن لم يكن قد صدر عليه حكم مبرم، فيشترط انبرام الحكم لصدور العفو الخاص. كما أن وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ لا يحول دون نيل العفو الخاص (م 154 عقوبات). كذلك لا يمكن للمحكوم عليه أن يرفض الإستفادة من العفو الخاص، الذي يجوز تعليقه على شرط أو أكثر؛ كاشتراط تقديم كفالة احتياطية أو الخضوع لرعاية أو دفع تعويض للمدعي الشخصي، وخلال سنتين إذا كان الجرم جنحة، خلال ستة أشهر إذا كان مخالفة. أما إذا كان الجرم جناية فيجب التعويض على المدعي الشخصي خلال مهلة أقصاها 3 سنوات (م 152 عقوبات).
ولا يسقط العفو الخاص الحكم، بل يسقط العقوبة فقط، بينما تستمر سائر مفاعيل الحكم الجزائي وآثاره، فيعتد بالحكم عند ارتكاب جريمة جديدة أو لإعمال وقف التنفيذ وإعادة الاعتبار والتكرار واعتياد الجرائم (م 155 عقوبات). كما يفقد منحة العفو الخاص كل محكوم عليه أقدم ثانية على ارتكاب جريمة تعرضه لعقوبات التكرار أو ثبت عليه بحكم قضائي أنه أخلَّ بأحد الواجبات المفروضة عليه في مرسوم العفو الخاص (م 156 عقوبات).
واقع قوانين العفو في لبنان
لقد تكررت قوانين العفو العام في لبنان منذ أول انفجار أهلي بعد الاستقلال (ربيع 1958). فصدر بتاريخ 24/12/1958، قانون منح العفو العام عن الجرائم المرتكبة حتى 15/10/1958. ثم تبعه القانون رقم 8/69 17/2/1969 الذي منح عفوًا عامًا عن الجرائم المرتكبة قبل 1/1/1968، ومن ضمنها الجرائم التي حصلت على أثر حرب حزيران 1967. إضافة الى العديد من القوانين التي منحت عفوًا عامًا عن جرائم المطبوعات.
إلا أن أبرز قانون عفو عام في لبنان هو القانون رقم 84/91 تاريخ 26/8/1991، لأنه القانون الذي جاء بعد الحرب اللبنانية الأهلية الطويلة التي بدأت في 13/4/1975 وبقيت حتى خريف العام 1990. وقد منح هذا القانون العفو عن الجرائم المرتكبة على امتداد تلك الحرب حتى تاريخ 28/3/1991، لكن المادة التاسعة منه تركت الباب مفتوحًا أمام المزيد من إمكانات العفو لمصلحة أفراد محددين عن جرائم ارتكبت خلال ذلك الصراع الأهلي، فأعطت الحكومة سلطة استثنائية لمدة سنة ابتداءً من تاريخ العمل به لإصدار عفو خاص له مفاعيل العفو العام بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء عن كل شخص محكوم أو ملاحق بالجرائم المستثناة من هذا العفو، الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي والمرتكبة قبل 28/3/1991. واستنادًا الى ذلك صدرت عدّة مراسيم بين العامين 1991 و2005.