تشير الأرقام بشكل واضح الى ضرورة وقف الانتهاكات التي تطال الموقوفين ، فأتى اقرار مجلس النواب لاقتراح القانون الرامي الى تعديل احكام المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، لجهة تكريس حق الموقوف بالاستعانة بمحام اثناء التحقيقات الاولية، ليكون حصناً منيعاً بوجه التعذيب . وكان تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية انجازاً تشريعياً تاريخياً، ومنح هذا الاقتراح عدداً من الحقوق للمشتبه به أبرزها: الحق في حضور محامٍ عنه أثناء التحقيق الأولي لدى الضابطة العدلية ، الحق في تعيين محامٍ مجاناً اذا كان متعسراً مادياً، الحق في الحصول على معاينة طبية مجانية، نفسية وجسدية، وحقه في الترجمة، الحق في معرفة الشبهات القائمة ضده والأدلة، الحق في تسجيل اجراءات التحقيق معه بالصوت والصورة
وفي الكثير من الاوقات، يتم تضليل سير المحاكمة بالتهويل على الموقوف وتعذيبه ما يدفعه الى الاقرار بأمور لم يتركبها، بالاضافة الى الاستدعاءات والتوقيفات السياسية. من هذا المنطلق، كان من الضروري اقتراح هذا القانونفمن غير المسموح استدعاء أي كان الى ” ضابطة عدلية من دون معرفة السبب .
رفع قانون تعديل المادّة 47، أمام الهيئة العامة لمجلس النواب، وحول الى لجنة الادارة والعدل التي ادخلت اليها عدداً من التعديلات التطويرية، حيث شارك في اجتماعاتها ممثلون عن نقابة المحامين والقاضيان نازك الخطيب وزياد مكنّا، وكان لهما فضل كبير في اجراء الدراسات والتحليلات والابحاث والمقارنات المعيارية مع الدول الديموقراطية، حتّى تم التوصل الى النظام الافضل الذي يرعى عملية التوقيف ويحدد ضمانات الموقوفين اعتباراً من لحظة توقيفهم، الى حين استلام الملف من قبل قاضي التحقيق واصدار المذكرات اللازمة. وفي ظل تطوّر التكنولوجيا وكاميرات المراقبة وداتا الاتصالات والعلم الجنائي والطب الشرعي، تراجع الاعتراف الى ادنى مراتب الادلة، وأصبح التعويل يرتكز على الادلة العلمية الثابتة. وسمح لنا تعديل المادة 47 بتطوير البيئة الجزائية في لبنان، بشكل يمنع انتزاع الاعتراف بالقوة كما كانت تجرى العادة، ولا سيما في حضور محامٍ واصحاب العلاقة وطبيب شرعي وغيره”. يمكن القول إنّ معركة تعديل القانون تكللت بالنجاح، ولكن ماذا عن تطبيقها في لبنان؟ “الامر متروك لعناية القضاة انفسهم، الذين يجب ان يحرصوا على تطبيق هذه المادة ومراقبة اعمال الضابطة العدلية ومدى الالتزام بالتعديلات، وعلى حرص نقابة المحامين من ناحية تطبيق النص ورفع الصوت عالياً عند تسجيل اي تجاوز للضمانات التي اقرت، وفي طبيعة الحال يجب على السلطة السياسية ووزير العدل ووزير الداخلية وقادة الاجهزة الامنية، رفض السكوت عن اي تحقيقات مخالفة للمادة 47 بعد تعديلها”.
الا ان التلاعب في تطبيق هذه المادة، أمر غير مستبعد، فهناك فرقاً بين الأجهزة الامنية التي تعتبر ضابطة عدلية والتي باتت تطبق حالياً المادة 47 بعد ضغوطات الشارع ونقابة المحامين، وبين الاجهزة الامنية التي لا تعتبر نفسها ضابطة عدلية وتخضع الى اشارة القضاء والى قانون اصول المحاكمات الجزائية، وبالتالي لا يطبقون اصلاً المادة 47، مثل مخابرات الجيش، أمن الدولة والأمن العام. مع الاشارة، الى أنّ من لا يعتبر نفسه ضمن الضابطة العدلية لا يحق له القيام بالتحقيقات. كذلك، تنص المادة المعدلة الى الزامية تزويد كل غرف التحقيق بالكاميرات لتوثيق التحقيق والاستجواب، وهنا يمكن عدم تطبيق هذه النقطة بحجة عدم وجود ميزانية لهذا الموضوع. من هنا تبقى معركة تطبيق المادة من اولوياتنا، من خلال ضغط المحامين على ابواب الثكنات، ضغط الشعب في الشارع، والجهود والضغوط التي تقوم بها نقابة المحامين الممثلة بالنقيب الخلف”.